دراسات في علم القراءات القرآنية = Studies in the science of Qiraat

2021 
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ أما بعد: فإن القرآن الكريم كتاب الله الخالد، ومعجزة رسوله محمد ﷺ، التي لا تفنى إلى الأبد. وهو كتاب منتظم الآيات، متعاضد الكلمات، لا نفور فيه ولا تعارض، ولا تضاد ولا تناقض، صدق كلها أخباره، عدل كلها أحكامه. وإن علم القراءات القرآنية هو أحد العلوم التي أفلت شمسها عن أذهان الكثير من المسلمين على الرغم من علو منزلته وسمو مقامه، فهو يتعلق بأشرف متعلق، ألا وهو كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وبلا شك، فإن تعلم القرآن الكريم وتعليمه، والاهتمام بإتقان قراءاته وتعلمها من أفضل الأعمال التي تقرب العبد إلى مولاه ﷻ، فقد قال النبي ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» . كما أن البحث والكتابة والتحقيق في علم القراءات من أنبل الأعمال وأفضلها، فهو من أجل العلوم وأنفعها، وأرجاها بركة ومكانة وثوابا، قال الإمام شهاب الدين القسطلاني: "فإن القرآن ينبوع العلوم ومنشأها، ومعدن المعارف ومبدؤها، ومبنى قواعد الشرع وأساسه، وأصل كل علم ورأسه، والاستشراف على معانيه لا يتحقق إلا بفهم رصفه ومبانيه، ولا يطمع في حقائقها التي لا منتهى لغرائبها ودقائقها إلا بعد العلم بوجوه قراءاته، واختلاف رواياته، ومن ثم صار علم القراءات من أجل العلوم النافعات، وإذا كان كل علم يشرف بشرف متعلقه، فلا جرم أن خص أهله الذين هم أهل الله وخاصته بأنهم المصطفون من بريته، والمجتبون من خليقته، وناهيك بهذا الشرف الباذج، والمجد الراسخ، مع ما لهم من الفضائل اللاحقة، والمنازل السابقة، فمناقبهم أبدا تتلى، ومحاسنهم على طول الأمر تجلى، وكيف لا، وقد رفع الله قدرهم الرفيع رفيع الدرجات؛ حيث قال في محكم الآيات البينات: ﴿ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا﴾ )فاطر: 32-35)" . ونظرا إلى هذه المنزلة التي تبوءتها القراءات القرآنية، فقد عدها العلماء من أهم المصادر في زيادة بيان معاني الآيات القرآنية، واشترطت المعرفة بعلم القراءات لمن يتصدى لتفسير كلام الله ﷻ، واعتنى أغلب المفسرين في التعامل مع القراءات القرآنية ببيان توجيهها، وهذا لأن توجيه القراءات: "علم يعني ببيان وجوه القراءات في اللغة والتفسير، وبيان المختار منها" . وإن الاهتمام بعلم القراءات وأحكامه وأسانيده جزء لا يتجزء من الاهتمام بكتاب الله تعالى، وأن معرفة هذه الأحكام والعناية بها، وجهود العلماء حولها من الدلالات الكبيرة على حفظ الله تعالى لكتابة الكريم مصداقا لقوله سبحانه: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (الحجر: 9)؛ ولذا كان علم القراءات ولا يزال من العلوم الجليلة القدر، العظيمة الشأن؛ لأنه يدور حول قراءة ورواية الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. والقرآن الكريم رأس العلوم والمعارف الإسلامية، والمصدر الأول للتشريع فهو دستور الأمة، ومنارها، كما أنه نورها وهداها. ولا شك كذلك في أن من علامة توفيق الله تعالى للإنسان أن يهتم بها، ويسعى في الحصول على أسانيدها، مع الاهتمام بالتدبر والعمل، والفهم والتفقه. وقد اتجه الحافظ العراقي في أول أمره بكليته إلى علم القراءات، وسار على هذا الطريق كبار المجتهدين من العلماء والأئمة من أمثال: أبي عبد الرحمن السلمي، وابن مجاهد، والداني والشاطبي وابن الجزري، وغيرهم؛ فوصلوا إلى أعالي الدرجات في العلم والعمل، والشرف والمكانة. وهذا الكتاب الذي بين أيدينا قد جمع من أمهات الكتب في علم القراءات في محاولة لإلقاء بعض الضوء عليه بعد ما أخذ في الاندثار، وعزف عن بعض جوانبة الباحثون، وترك السعي وراء الحصول على أسانيده الكثير؛ فإنه يعد إسهاما بسيطا في نشر هذا العلم العظيم، وسطرا من سطور فضائله البراقة، وقد سلكنا فيه العرض المبسط حتى يناسب طالب العلم المبتدئ، ويفيد المتقدم، ويكون عونا للباحثين لفتح آفاق جديدة في فضاء علم القراءات الرحب والواسع. وقد تناولنا فيه أكثر الأبواب أهمية في هذا الفن، فقد جاء الفصل الأول منه للتعريف بعلم القراءات وبيان فضله ومكانته بين العلوم؛ أما الفصل الثاني فقد تناول التطور التاريخي لعلم القراءات، ومراحل نشوئه، والتفريق بين الأحرف السبعة والقراءات السبع. كما تم التعريج على أركان القراءة الصحيحة وشروطها. وفي الفصل الثالث تركز الحديث حول مصدر القراءات وأسباب الاختلاف فيها والحكمة من ذلك، كما تناول الفصل الرابع التعريف بأشهر القراء من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، والتابعين الأخيار؛ أما الفصل الخامس فقد تناول التعريف بالقراء العشرة ورواتهم وأصول قراءاتهم. وفي الفصل السادس تم التركيز على العلوم المتصلة بالقراءة وهي كثيرة ومن أبرزها: علم التجويد والتوجيه، وعلم الوقف والابتداء والتحريرات والفواصل، وعلم الرسم والتراجم. هذا وقد جاء الفصل السابع حول القراءات الشاذة وأحكامها، وبعض الشبهات المثارة على القراءات الصحيحة والرد عليها. سائلين المولى أن يهدينا للصواب، وأن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم، وأن يعفو عما فيه من أخطاء، وأن ينفع به طلبة العلم وعموم المسلمين على سواء؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
    • Correction
    • Source
    • Cite
    • Save
    • Machine Reading By IdeaReader
    0
    References
    0
    Citations
    NaN
    KQI
    []